تاريخ

الخلافة والغرب

موقف الغرب الأوروبي من نظام الخلافة الإسلامي

الخلافة والغرب

مفهوم الخلافة
كثيرا ما يتردد في التاريخ الإسلامي مصطلح الخلافة فيقال الخلافة الراشدة ( 11 – 40 ه / 632 – 661 م) والخلافة الأموية (41 – 132 هـ / 662 – 750 م) والعباسية (133 – 656 ه/ 750 – 1258م ) والعثمانية ( 677 -1342 ه /1299 – 1923 م) حيث يقصد بالخلافة الولاية العامة على شؤون المسلمين ويمكن إعتبارها على أنها نظام حكم سياسي إسلامي يستمد أحكامه من الشرع الإسلامي بحيث يكون القرآن الكريم بمثابة دستور يرتكز عليه ، ويعتبر الخليفة أعلى الهيئة حاكمة فيه له السلطة الدينية المتمثلة في حفظ الدين الإسلامي و تبليغ تكاليفه والسلطة السياسية بحكم المسلمين ورعاية مختلف مصالحهم الدنيوية والسهر على راحة وأمن العالم الإسلامي أمام كافة الأخطار الخارجية التي تحيط به كالإعتداءات الصليبية الخارجية.

موقف الغرب من نظام الخلافة
إن أهم ما يميز نظام الخلافة هو أن هذا النظام لا يعترف بالحدود السياسية بين الدول مادام أن الإسلام هو الدين السائد فيها حيث أن هذا النظام يجيز للخليفة بسط سلطته على جميع المسلمين بما فيهم مسلمي المناطق غير التابعة لمركز الحكم وحتى الأقليات المسلمة في المناطق الخاضعة للحكم الصليبي

هذا الأمر الذي جعل الكنيسة ورجالها يستشعرون قوة الإسلام و خطره عليهم بتهديد مكانة الكنيسة التي دقت ناقوس الخطر أوساط القوى الصليبية التي سعت لمحاربة هذا النظام من خلال حملاتها على العالم الإسلامي بدءا من محاولات الروم في أولى العهود الإسلامية إلى غاية عهد الدولة العثمانية أين تحققت أماني الصليبيين بإسقاط راية الخلافة الإسلامية

حيث عرف القادة الغربيون ورجال الكنيسة أن سر قوة العالم الإسلامي وإنتشاره السريع في كافة الأقطار على حساب المسيحية راجع لإتحاد المسلمين وتكاتفهم للدفاع عن دينهم بتمسكهم بنظام الخلافة حيث جعلتهم الخلافة يتجاوزون الحدود العرقية والقومية وحتى اللغوية محققين وحدتهم ومحققين التعاون بينهم وواقفين في وجه المد الغربي المسيحي على العالم الإسلامي لذا سعى الأوروبيين للتخلص من هذا النظام الذي حال دون توسعهم في أقطار الشرق الإسلامي

الخلافة الإسلامية في آخر مراحلها
في القرن التاسع عشر أدرك السلطان العثماني عبد الحميد الثاني( 1842 – 1918 م) ” آخر خليفة فعلي للمسلمين حسب عديد من المؤرخين ” أن سبب ضعف المسلمين راجع إلى تفرقهم وأنه لا يمكنهم إسترجاع قوتهم ومكانتهم إلا بإتحادهم وتكاتفهم فحاول تحقيق الوحدة بينهم من خلال مشروعه الوحدوي المسمى ب ” الجامعة الإسلامية ” وذلك بدعوتهم إلى مبايعته على الخلافة وإصراره على التلقب بلقب الخليفة من خلال جهوده في خدمة العالم الإسلامي وذلك باهتمامه بالتعليم الديني وبتدريس التاريخ الإسلامي وكذا تقريب العلماء والمفكرين الدينيين اليه ولعل أبرزهم المصلح الديني “جمال الدين الحسيني الأفغاني”(1838 – 1897م) مؤسس أشهر جريدة إصلاحية أنذاك ” العروة الوثقى ” رفقة ” محمد عبده “( 1849 – 1905م) الذي ساند نظام الخلافة من خلال أفكاره التي لقيت صدى كبير في مصر وفي بلدان المغرب العربي، كما قام عبد الحميد الثاني باستمالة زعماء الصوفية اليه مما لهم من تأثير كبير بين أتباعهم، كما قام بإنشاء مشروع خط سكة حديد الحجاز الذي يربط الأستانة بالحجاز وقام بالإهتمام بالغة العربية باعتبارها لغة الدين الإسلامي ولغة القرآن الكريم وكذا لتشجيع العرب ( أكبر عنصر بشري في الدولة العثمانية ) لمبايعته على الخلافة خصوصا بعد ظهور أصوات محرضة من طرف بريطانيا نادت بأن الخلافة من حق العرب فقط ( طبعا ليس حبا في العرب وإنما كان العرب في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين يعيشون مرحلة متقدمة من الإنحطاط والضعف والإحتلال وكانت أغلب الأراضي العربية تحت الحكم البريطاني في المشرق و الفرنسي في المغرب فكان هدفهم جعل مركز الخلافة في المناطق العربية التابعة لهم ليسهل عليهم تقويضها والقضاء عليها فكانت محاولات بريطانيا في جعلها في منطقة الحجاز وبالمقابل فرنسا رأت أنها من الأجدر ان تكون بالمغرب )
فقد قام الإنجليز بمحاولة فرض خديوي مصر “إسماعيل”(1830 – 1895 م) والذي كان مواليا لهم خليفة على المسلمين كما قامت كتابات غربية بنشر دعاية أن نظام الخلافة نظام قديم انتهى بنهاية الدولة العباسية كما دعى الصحفي الفرنسي “غابرييل شارم” “Gabriel charmes” “عبد الحميد الثاني” إلى الإهتمام بدولته فقط وترك شؤون المسلمين الذين هم خارج حدود دولته فإن ذلك سيسبب له مشاكل هو في غنى عنها مع القوى الإستعمارية الأوروبية الكبرى وسيكون حائلا أمام تطور بلاده
وحاول المستشرق والناشط السياسي البريطاني ويلفريد سكاون بلنت (Wilfrid Scawen Blunt)‏ (1840 – 1922 م) اقناع الأفغاني الذي كان ضد فكرة إجتماع الحكم الديني والسياسي في شخص واحد ( كان هذا سبب معارضته لحكم عبد الحميد الثاني ) بجعل الشريف حسين( 1853 – 1931 م) خليفة تبعا للحديث الذي روي ” الأئمة من قريش لكن السلطان العثماني علم بمخططهم وقام بإبطاله بتشديد الرقابة على ” جمال الدين الأفغاني”

نهاية الخلافة الإسلامية
وكان آخر فصول هدم الغرب للخلافة هو إتفاق البريطانيون مع الشريف حسين حاكم الحجاز على محاربة الدولة العثمانية واسقاط خلافتها مقابل ان تعترف له بالخلافة وتساعده على تكوين الدولة العربية الكبرى ويكون هو حاكمها لكن بريطانيا سرعان ما غيرته واخلفت وعدها تجاهه وذلك بعد أن حققت مرادها بفصل مناطق المشرق العربي والحجاز عن الخلافة العثمانية و جعلتها تحت الوصايات الأوروبية ( الانتداب البريطاني والفرنسي).وقد ظل منصب الخلافة منصبا رمزيا بعد اسقاط عبد الحميد الثاني (بعد انقلاب جمعية الإتحاد والترقي واليهود وبدعم من الغرب سنة 1909) حتى مارس 1924 في عهد الخليفة عبد المجيد الثاني(1868- 1944م ) حينما أعلن مصطفى كمال أتاتورك (1880 – 1938م) رئيس الجمهورية التركية أنذاك الغاء الخلافة الإسلامية رسميا بعد أن صرح ” فالخليفة ومخلفات آل عثمان يجب أن يذهبوا والمحاكم الدينية العتيقة وقوانينها يجب أن تستبدل بها محاكم وقوانين عصرية ومدارس رجال الدين يجب أن تخلي مكانها لمدارس حكومية غير دينية”.

المصدر
موسوعة مصطلحات علم التاريخ العربي والإسلامي رفيق العجم العالم الإسلامي و الإستعمار السياسي و الإجتماعي والثقافي أنور الجندي السلطان عبد الحميد الثاني آخر السلاطين العثمانيين الكبار محمد حرب دراسات في تاريخ الدولة العثمانية و المشرق العربي الغالي العربي الخلافة في خطاب أتاتورك - غازي مصطفى كمال Gabriel charmes l'avenir deTurquie le panislamisme

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى